Wednesday, February 3, 2010

المصري في الفيلم الإسرائيلي والإسرائيلي في الفيلم المصري - نائل الطوخي



المصري في الفيلم الإسرائيلي والإسرائيلي في الفيلم المصري.. مجرد أنماط

من فيلم «ولاد العم» أخرجه شريف عرفة
من فيلم «زيارة الفرقة» أخرجه عِران كوليرين

نائل الطوخي

الحديث عن «الداخل الإسرائيلي» في «ولاد العم» يحدث بشكل مبالغ في نمطيته، مثلما هو في غالبية أعمال الجاسوسية المصرية. تحضر في الفيلم جميع الأنماط الخاصة باليهودي، حتى يصبح المرء إسرائيلياً فلا بد أن يكون يهوديا متدينا، يرتدي الطاقية طوال الوقت، والشمعدان معلق في بيته، والناس في الشارع هم متدينون يهود بقبعات أوروبية ولحى وسوالف، واليهود الذين قد يبدون بشراً ودودين لفترة سرعان ما تأتي لحظة ويتحولون فيها، بالمعنى الكافكاوي للتحول/ المسخ، عندما يواجههم مصري بسؤال عن عنصرية المجتمع الإسرائيلي، أو عن التشابه بين الهولوكست وطرد الفلسطينيين من أراضيهم: الوجوه تتحجر في ثانية، العيون تتبلد، الرد القاسي جاهز على الشفتين الجافتين، أو حتى، في مثال رائع ومعكوس للتحول/ المسخ، يسفر «بنحاس» المشلول في نهاية الفيلم عن ضابط موساد مدرب، يقوم من على مقعده المتحرك ليواجه الضابط المصري ويشتبك معه.
هناك رد فعل إسرائيلي آخر على الأسئلة المصرية الصعبة، وهو الانسحاب، مثلما يفعل فيكتور، اليهودي ذو الأصل المصري، عندما يواجهه سؤال مصطفى عن التشابه بين الهولوكست والممارسات الإسرائيلية. ينسحب فيكتور داخل صيدليته ويقوم بتشغيل أم كلثوم. الإسرائيلي الآن يواجه ذاته. مشهد كهذا رأيناه في فيلم «الكافير» لعلي عبد الخالق عن قصة لإبراهيم مسعود. المهندس المصري، «طارق علام» يواجه الفتاة الإسرائيلية من أصل شرقي التي تحاول تجنيده بحقيقة ذاتها. يسألها كيف تغويه وتقبل بامتهان جسدها لمصلحة الموساد، ويضرب ضربته القاضية: هل تفعل هذا لأنها سفاردية؟ وبالتالي فالمجتمع الإسرائيلي يمتهنها بهذا الشكل؟ في المشهد التالي، وفي قاعة المحكمة، تتحول الضابطة الإسرائيلية لتتنكر لإسرائيليتها وتدافع عن مصر. بجملة واحدة ردها المصري إلى عقلها.
لنقم هنا بتوسيع الموضوع قليلاً، لنتحدث عن سلسلة المغامرات الشعبية الموجهة للمراهقين «رجل المستحيل»، والتي يكتبها «نبيل فاروق» وتدور حول ضابط مخابرات مصري خارق «أدهم صبري»، يقوم بتنفيذ عمليات استخباراتية ضد إسرائيليين وغيرهم. في أحد الأعداد يفقد أدهم صبري ذاكرته، يسيطر عليه ضباط الموساد وينجحون في إقناعه بأنه ضابط مخابرات إسرائيلي للاستفادة من خبراته. يمر صبري بحلقات عديدة حتى تعود ذاكرته المصرية إليه، واحدة من هذه الحلقات هو حوار يدور حول طرد شخص من بيته وإحلال آخر مكانه. يرد صبري بتلقائية أن هذا يشبه ما حدث في فلسطين. العيون الإسرائيلية ترنو إليه متعجبة، وهو نفسه يندهش من نفسه ومن الذاكرة «المصرية» التي طفت فجأة على سطح ذاكرته «الإسرائيلية» المستحدثة. ليس هناك أي مجال للتقاطع بين الذاكرتين. طرفا الصراع واضحان: مصر وإسرائيل، وموضوع الصراع واضح: فلسطين. وأي شخص يتذكر الجريمة الإسرائيلية بحق الفلسطينيين هو مصري بالضرورة، لا سوري ولا لبناني ولا أردني، ناهيك عن أن يكون مجرد إسرائيلي قوي الذاكرة.
عودة إلى «ولاد العم»: الضابط المصري يزور الضفة الغربية، يعمل في بناء الجدار العازل مع العمال الفلسطينيين (ذوي اللهجة الجليلية على رغم كونهم من أبناء الضفة!) فور ما ينزل يجد بيوتاً فلسطينية يتم تفجيرها، فلسطينيين يتم سحلهم على الأرض، بلدوزرات إسرائيلية تخلي المكان من السكان، ومشاهد نزوح جماعية لفلسطين تذكرنا بالمشاهد الشهيرة للنكبة. هذه هي الدقيقة الأولى لوصول كريم عبد العزيز إلى الضفة، أينما يتحرك فهو في قلب الأحداث الساخنة. يقيم في بناية ما، وبالصدفة يكتشف أن البناية تقيم فيها فدائية فلسطينية تخطط للقيام بعملية استشهادية، وبالصدفة يستطيع إخفاؤها عن عيون الشرطة التي تطاردها. هكذا، كل ما نعرفه عن إسرائيل، لا أكثر ولا أقل، موجود في أحداث الفيلم، ويواجه أبطاله، منذ لحظة وصولهم لإسرائيل وحتى مغادرتهم.
في المقابل، كل ما نعرفه عن مصر أيضاً موجود في «زيارة الفرقة»، ولكن من ناحية أخرى. الغناء: «أم كلثوم وفريد»، السينما: «عمر الشريف وفاتن حمامة والأفلام المصرية التي يعرضها التلفزيون الإسرائيلي ليلة السبت»، وكلمات الحب: يا حبيبي، يا عمري، كما تقولها دينا الإسرائيلية (رونيت إلكابيتز) بعربية بطيئة. ليس هناك ناصر، ولا سادات، ولا حروب، ولا خوف من ملاحقات أمنية، ولا جدل سياسي، ولا شكوك، والقدر القليل من التوجس ينكسر من الساعات الأولى للقاء المصريين للإسرائيليين، مع مبادرات الحب والتقارب التي تحدث كل دقيقة في الفيلم، باستثناء واحد، أحد أفراد الفرقة يأكل في المطعم، تركز الكاميرا على صورة رابين المعلقة على الجدار، وعلى صور الحروب الإسرائيلية، ويغطي العازف واحدة من هذه الصور بقبعته. بخلاف هذا المشهد، فالفيلم معقم تماما من كل الجنون الذي يشوب العلاقة بين الشعبين: لماذا يستضيف أصحاب الفندق مثلا مجموعة من المصريين يعلنون أنه ليس لديهم مال كاف لدفعه؟ لماذا تخرج دينا صاحبة الفندق لتتناول العشاء مع قائد الفرقة، توفيق، ولماذا يقبل بابي بأن يرافقه خالد مع أصدقائه؟ ولماذا يتحول قائد الفرقة المصري خلال أحداث الفيلم، والتي تدور في يوم واحد، من ذلك الشخص القاسي والمنغلق إلى شخص أكثر تسامحاً وأكثر تفهماً ليس تجاه الإسرائيلي فحسب بل تجاه نفسه أولاً؟ بكلمات أخرى: على قدر ما كان فيلم «ولاد العم» يعرض الجنون بوصفه الاحتمال الأوحد للوجود، في ساحة التمثيلات بين المصري والإسرائيلي، على قدر ما يحاول فيلم «زيارة الفرقة» تطهير تلك الساحة من الجنون.
أحيانا ما يسقط فيلم «زيارة الفرقة» في الرومانسية، على سبيل المثال: يندلع شجار بين أفراد الأسرة المقيمة في الفندق، ولكنهم يتجمّعون سوياً مسحورين بعزف سيمون المصري. وخاتمة الكونشيرتو الذي يحاول سيمون تأليفه منذ عشرين عاماً، على النهاية أن تكون مثل جلوسه في الغرفة الصغيرة بالفندق مع إيتسيك الإسرائيلي، ليست خاتمة سعيدة ولا حزينة، كما يقول إيتسيك، غرفة، ومصباح، وطفل نائم، وأطنان من الوحدة. ما الذي يعنيه هذا؟ يعني أن رحلة عشرين عاماً من البحث عن اللحن المفقود، تنتهي هنا والآن، في غرفة واحدة بالفندق الإسرائيلي، تجمع المصري بالصديق الإسرائيلي الجديد، والذي يتحدث باستخدام لغة شعرية لا يتحدثها شخص عادي في إسرائيل أو مصر، ناهيك عن أن يكون هذا الشخص هو إسرائيلي يلتقي بمصري لأول مرة.
صحيح أن شكل أعضاء الفرقة يبدو غريباً في أعين الإسرائيليين، ولكن هذا لا يعني شيئاً، ليست ملامحهم الشرقية هي التي تثير الانتباه، وإنما ملابسهم العسكرية القديمة. لا استشراق هنا. لا مشاعر خاصة تولد بإزاء الملامح الشرقية، والنطق الشرقي للإنجليزية. فقط البذلة العسكرية هي التي تثير التعليقات. في إحدى حواراته مع هآرتس يقول المخرج:
«فيلم «زيارة الفرقة»، ولد من رحم صورة خطرت على بالي، صورة شخص متحفظ ومنغلق جداً، يلبس بذلة عسكرية، ولكنه عندما يفتح فمه تخرج منه أغنية حب مصرية، تمزق القلب، ولكنها مكبوحة مع ذلك... أردت أن تكون للفيلم كله رائحة هذه الأغاني، التي أحبها كثيراً».
البذلة العسكرية الخاصة بأعضاء الفرقة كانت إذن واحدة من عناصر البذرة الأساسية للصورة في الفيلم، ولكن ما تدلنا عليه كلمات المخرج هو شيء ما أبعد، ليس في الفكرة الأساسية في الفيلم، كما يراها المخرج، شيء مصري، باستثناء الأغاني المصرية الشهيرة في إسرائيل. المصريون غير موجودين، و«أم كلثوم» و«عمر الشريف» ليسوا هما المصريين، وإنما أصبحا جزءا من الصورة عن المصريين، صحيح أنها صورة إيجابية، على خلاف صورة «ناصر» في إسرائيل مثلاً، ولكنها تظل مجرد صورة «عن» المصريين.
الشخصيات المصرية قام بأداء أدوارها ممثلون فلسطينيون، والحوار، الذي يدور ثلثه تقريباً بالعامية المصرية، كتبه المخرج الإسرائيلي وترجمه إلى العربية فلسطينيان (منهما الكاتب علاء حليحل) وإسرائيلية، أي أنه لم يشارك مصري في صنع الفيلم. ترتب على هذا أن كثيراً جداً من مفردات «صورة المصري في عين الإسرائيلي» موجودة في الفيلم، ولكن ليس هناك أي شيء عن «صورة الإسرائيلي في عين المصري». أي أنه على الرغم من كون الفيلم يصف لقاء مصريين بإسرائيليين، فإنه يتحدث من ناحية «باسم» الإسرائيليين، ومن الناحية الأخرى «عن» المصريين. وهو الشيء الذي تحاشاه حتى فيلم أكشن مثل «ولاد العم». في «ولاد العم» تم تخصيص لضابط الموساد أكثر من فقرة يتحدث فيها عن رؤيته للمصريين، أي أن الخطاب الإسرائيلي كان موجوداً، والذي صحيح أنه جاء ركيكاً، بائساً ونمطياً، إلا أن النوايا على الأقل كانت متوافرة.
تواريخ مغلوطة
الفلسطينية الفدائية في «ولاد العم» هي امرأة تمّ تهجيرها من الضفة الغربية كما تقول، تعرض على مصطفى مفتاح بيتها بالضفة، وفي الوقت نفسه فهي تملك شقة في تل أبيب، لقد أخذت وحدها خطاً معاكساً لخط الهجرة الفلسطينية عام 1967 فيما يبدو، من الضفة إلى أراضي 48! هذا ليس هو الخطأ المهني الوحيد في الفيلم.. راشيل، الجارة اليهودية الطيبة من أصل مصري (الفنانة الشابة انتصار)، والتي تمرّ أيضاً بعملية التحول/ المسخ لتسفر عن ضابطة موساد لا ترحم، تتحدث المصرية بمنتهى الطلاقة، وتبرر هذا بأنها عاشت في مصر قبل هجرتها لإسرائيل. ليس لدى صناع الفيلم فكرة عن تاريخ خروج اليهود من مصر. اليهود خرجوا منذ أكثر من خمسين عاماً، والقلائل الذين خرجوا بعد ذلك إما أنهم شيوخ الآن أو أنه لا يمكنهم الحديث بالعربية، وبالتحديد باللهجة المصرية المغرقة في الشعبية لانتصار. هنا يتكرّر الخطأ نفسه، بشكل أكثر سذاجة، فيلم يدور في جزء كبير منه عن القضية الفلسطينية لا يشارك في صنعه فلسطينيون، فقط مصريون.
أينما يتحرك الأبطال في «ولاد العم» فهم محاطون إما بيهود من أصل مصري، أو بيهود معادين لليهود من أصل مصري شرقي. ليس هناك بشر طبيعيون. الحياة في مجتمع عنصري تعني لدى صناع الفيلم أن البشر يتحدثون لأربع وعشرين ساعة عن العنصرية، إما كي يمارسوها أو كي يدينوها، بينما العنصرية يتم استيعابها عميقاً، ونادراً ما تظهر على السطح، هذا ما لم يرد أن يفهمه الكاتب والمخرج. أينما يتحرك الأبطال فهم ينتجون خطاباً عن إسرائيل، معها أو ضدها. وفي النهاية، يساورنا شعور بأن من يتحدثون في الفيلم ليسوا مجرد ضباط مخابرات مهنيين ومشغولين بإنجاز عمليتهم المحدودة، وإنما مفكرون مشغولون بالتنظير لطبيعة إسرائيل.
الدم والجنس
مثلما في جميع الأفلام «الوطنية» من الدرجة الثانية، يعمل رمزا الدم والجنس بالتوازي مع الصراع القومي في «ولاد العم». في أفيش الفيلم، الذي يعتليه المصري كريم عبد العزيز، ويرقد في أسفله الإسرائيلي شريف منير، نرى قطرات الدماء على شفتي الإسرائيلي، كأنه دراكولا مصاص الدماء، وقطرات الدماء نفسها ولكن على جبين المصري، جبينه رمز العزة والشرف. للجنس أيضا رمزية ثقيلة، يحاول الزوج الإسرائيلي ممارسة الجنس مع زوجته المصرية «سلوى» (منى زكي)، ولكنها لا تستجيب. الحاجز النفسي يمنعها. وعندما يريد ضابط المخابرات المصري أن يسألها عن هذه التفصيلة، فإنه يفضل المواراة. يسألها: «استسلمتِ له؟» الحديث عن الاستسلام في سياق معاشرة زوجية، يصبح حديثاً عن حرب بين شعبين. يحذرها: «إوعي تستسلمي له»! التحذير، بالبداهة، موجه إلى مصر، وليس إلى مجرد زوجة مصرية، وهو تحذير من إسرائيل، وليس من مجرد زوج إسرائيلي، والجنس ليس مجرد جنس، إنه معركة عسكرية، على الأنثى أن تظل محتفظة بـ«شرفها» فيها أمام الذكر.
الجنس يتحوّل إلى رمز أيضاً في «زيارة الفرقة»، ولكنه يتخلص من عنفه هنا، يتخلص من تحميله بالمدلولات العسكرية، ليصبح شكلاً من أشكال التقارب بين الشعبين، وذلك في مضاجعة خالد (صالح بكري) لدينا (رونيت إلكابتس). على الرغم من تقرب دينا من توفيق طوال الفيلم، إلا أنه لا يشعر بإثارة تجاهها. قرب نهاية الفيلم يدخل للنوم، يصحو في منتصف الليلة ليجدها نائمة مع خالد، بلا قلق أو توتر، فيبتسم ابتسامة متعاطفة. شهوانية خالد تثير التساؤلات، الفوضوي، العابث، الشهواني، الساخر، وذلك في مقابل رئيسه، المتحفظ، المنغلق والكتوم والمتردد. هل نتذكر هنا ولو قليلاً، ثنائية اليهودي الصبار، المولود في إسرائيل، المرح والمشبع بالحياة، في مقابل اليهودي القديم، العجوز والكئيب الذي يعيش خارج إسرائيل (في المنفى)؟ هل نبالغ في التحليل قليلاً ونقول إنه، في المحاولة الطيبة لتطبيع صورة المصري، فلقد قام مخرج وكاتب الفيلم بإعادة إنتاج نمطين إسرائيليين شهيرين، وقدّمهما بوصفهما مصريين، وقدمهما بنمطيتهما، مع النهاية السعيدة، توفيق العجوز يتسامح مع خالد الشاب، يذوب الجليد في قلبه شيئاً فشيئاً تجاه دينا الإسرائيلية. يبتسم بتعاطف عندما يرى مشهد المضاجعة بين خالد ودينا، يصبح أكثر شباباً.
توفيق يصبح أكثر شباباً بفضل دينا الإسرائيلية، هي التي تتقرب منه، وتحادثه عن أمور حميمية، وهو يستجيب لها شيئاً فشيئاً. الشيء نفسه يحدث مع خالد المصري وبابي الإسرائيلي. بابي لا يحسن محادثة الفتيات، ويكاد يخسر الفتاة التي يحبها، فيعلمه خالد كيفية محادثتها، الربت عليها واحتضانها. الإسرائيلية تقوم بتعليم المصري أشياء عن الحياة، والمصري يقوم بتعليم الإسرائيلي أشياء عن الحب. بطبيعة الحال، لا يمكن اتهام المخرج بالانحياز هنا، ولكن يمكن الإشارة إلى عملية التطهير التي قام بها لفيلمه مما قد يبدو انحيازاً سواء للمصري أو للإسرائيلي. ولكن للأسف، الحياة لا تسير بهذا التجانس الهندسي.
في يوم 30ـ10ـ2007، أفردت صحيفة البديل اليسارية المصرية صفحة كاملة في حوار مع المخرجة المصرية «نادية كامل»، صاحبة فيلم «سلطة بلدي». الفيلم كان قد تمّ عرضه في مهرجان الشرق الأوسط بـ«أبو ظبي»، وأثار هناك جدلاً كبيراً كما أثاره في كل مكان تمّ عرضه فيه. كان الاهتمام الصحفي ـ ومن صحيفة يسارية ـ بفيلم نادية كامل اهتماماً مثيراً، على خلفية اتهام الفيلم بالتطبيع وبتصوير بعض مشاهده في تل أبيب. الفيلم هو فيلم توثيقي يدور حول أسرة يسارية مصرية ـ أسرة سعد ونائلة كامل والدي المخرجة ـ التي تبحث عن جذور عائلتها، ونتيجة لذلك تسافر إلى روما وإلى تل أبيب، لكي تلتقي بأقربائها من اليهود ذوي الأصل المصري الذين هاجروا لإسرائيل منذ عقود.
في الحوار تمّ توجيه سؤال لنادية كامل:
«في الفيلم نجد أن العائلة الإسرائيلية حازت على فترة أكبر من زمن الفيلم مقابل العائلة الفلسطينية.. كيف يتفق هذا مع قولك إن فيلمك يبحث عن الحقوق الفلسطينية؟».
«ليس صحيحاً أنني همشت الأسرة الفلسطينية وقضاياها.. ولكن إفراد مساحة أكبر للأسرة الإسرائيلية يأتي لكوني أرى هذا المجتمع لأول مرة.. ومن الطبيعي أنني أريد استكشافه وتقديمه إلى المشاهد».
هنا لا تصبح المسألة فقط هي البحث عن جذور العائلة، وإنما الشعور بالفضول أيضا إزاء الإسرائيلي، ولكن هذا شيء لا يغتفر من جانب الصحافة، ويصبح مناقضاً للبحث عن الحقوق الفلسطينية، تقديم الإسرائيلي هو أمر محفوف بالمخاطر في السينما المصرية، إما أن يتم تقديمه كما تفعل الأفلام الأخرى، أو يتم تجاهل وجوده تماماً. ما فعله الفيلم كان مختلفاً. لقد قام بتقديم عائلة إسرائيلية من أصل مصري. العائلة تشعر بالحنين لمصر، وتتحدث عن طقس الاستماع اليومي لأم كلثوم، ويهتف أحد أفرادها بحماسة لدى زيارة أقاربه المصريين أنهم اليوم لا يعيشون في إسرائيل، وإنما في الوطن العربي الكبير، وهي كلها إشارات إيجابية، ولكن مع هذا، فأفراد العائلة يخدمون في الجيش الإسرائيلي، وبعضهم ذو انتماء صهيوني، وبعضهم يرتدي الطاقية اليهودية. أي أن المخرجة لم تقم بتطهير تاريخ العائلة لكي تصبح أكثر مقبولية في الشارع المصري، وبالتالي أصبحت الشخصية المعروضة هنا أكثر إرباكاً، يتجاور فيها البياض والسواد بالقدر نفسه. وهو ما كان له أثره على تلقي الفيلم.
الفيلم أثار جدلاً كبيراً، بين مؤيد ومعارض، وكثير من المؤيدين للفيلم كانوا ينتمون لليسار، ربما بسبب انتماء سعد كامل ـ والد المخرجة وشريكها في رحلتها لإسرائيل ـ لليسار. وهو الأمر الذي كان مربكاً للبعض. يكتب الناقد السينمائي أحمد يوسف بالعربي الناصري، بتاريخ 19ـ1ـ2008:
«إنك على سبيل المثال (وإن لم يذكر لك الفيلم أية تفاصيل كانت ضرورية لإلقاء الضوء على موقف الجيل السابق تجاه الكيان الصهيوني) تقدر كل التقدير نضال سعد كامل ورفيقة حياته نائلة كامل، كما أنك تتعاطف أو حتى تعشق الطفل نبيل شعث الحائر في البحث عن هوية في وطن عربي ممزق. لكنني لا أستطيع تجاه «ابن عمي» اليهودي العربي الذي ارتضى إسرائيل وطناً أن أتعاطف معه وأذهب لزيارته لمجرد أنه يحبّ أن يستمع إلى أم كلثوم كل يوم، فهو الذي اختار أن ينضوي تحت راية نظام معادٍ للإنسانية».
بجانب الارتباك، كان هناك الرفض المطلق، وأحياناً ما تكون التهمة هي «غياب المساحة الكافية من الإشارة للاحتلال»، وهو الاتهام الذي يطالب الفيلم، أو «المشاهد الإسرائيلية» منه، بتغيير موضوعها، من كونها مشاهد عن اللقاء بين الأقارب في إسرائيل، لتصبح مشاهد عن الاحتلال، على الرغم من أن الفيلم قد حوى بالفعل تلك التفاصيل عن الاحتلال، ولكن ليس بالمقادير المطلوبة على ما يبدو. بتحليل أبعد، كأن الحديث عن إسرائيل لا يستقيم بدون حديث عن العرب، كأنه ليس على إسرائيل إلا أن تكون انعكاساً مرآوياً للعرب، كأننا عندما نراها، لا نرى إلا أنفسنا.
هذا النوع من العمى عن رؤية الآخر، ارتبط بحالة أخرى، فيلم «انس بغداد» للمخرج السويسري سمير جمال والذي استضاف أربعة من الإسرائلييين من أصل عراقي، سمير نقاش، سامي ميخائيل، شمعون بلاص، و إيله شوحاط. تم عرض الفيلم في مصر في سياق مهرجان الفيلم السويسري، وثارت بعد عرضه عدة نقاشات، منها نقاش على موقع «الفيسبوك» بين عدد من الناشطين والناشطات المنتمين لليسار، في إحداها تم طرح السؤال: كيف أن الفيلم، الذي يركز في أغلبه على العنصرية الإسرائيلية ضد اليهود من أصول شرقية، لا يناقش العنصرية ضد الفلسطينيين، أو الاحتلال؟ كأن الجريمة لا تصبح جريمة إلا عندما تتوجه ضد العرب، أو كأن الدولة العنصرية لا تكتسب شرعية تسميتها باسم الدولة العنصرية إلا عندما تتوجه عنصريتها ضد«نا»، لا ضد أي جماعة إثنية أخرى. مرة أخرى، يصبح المطلوب من الموضوع الإسرائيلي هو أن يتحدث فقط عن الذات العربية، مخصوماً منها الحالة الإشكالية لليهود العرب، بطبيعة الحال.
النمط هو جزء من حياتنا، وبشكل ما، فتكوين خطاب هو أمر مستحيل من دون أنماط، وتجاهله بالمطلق هو شكل مقلوب لعبادته. ولكن في الوقت نفسه، فالأنماط ليست هي كل شيء. هناك «البشر من لحم ودم»، وهناك «الصور الثقافية عنهم»، والاثنان متجاوران. ومحاولة إقصاء واحد منهما لمصلحة الآخر تسقط إما في الفجاجة المطلقة أو في الرومانسية المطلقة. إلى تبيان ذلك هدف، من بين ما هدف، هذا المقال، مع محاولة تلمسه، ولو قليلا، ذلك الموضوع الشائك الخاصة بالتمثيلات الثقافية لكل من اليهودي والعربي، والذي يظل إشكالياً طالما ظل الصراع العربي الإسرائيلي مشتعلاً، وطالما ظل هناك إصرار على سحب الصراع من ماديته ومباشرته ويوميته ليصبح صراعاً ثقافياً وحضارياً، لا صراعاً يتمحور حول البشر وتسيل فيه دماء حقيقية، ليست دماء الثقافة أو دماء الحضارة
.
(كاتب مصري)


trailer مقدمة

**********
الـهـنـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــد
داخــــل المسابقة الرسمية
في مهرجان مومباي الدولي
من الثالث وحتى التاسع من شباط 2008

INDIA

10th Mumbai International Film Festival,for Documentary, Short & Animation Films,

"Official Competition"

3 to 9 Februery 2008

**********